تقديــــــــــــــــــــم:
إن قراءة مؤلف نقدي في حجم مؤلف" ظاهرة الشعر الحديث" قراءة تحليلية جادة، تشترط فضلا عن قراءة المؤلف قراءة متأنية حيزا زمنيا واسعا وهو الشرط الذي ينعدم أو يكاد ، فإذا ما أجملنا الحصص المخصصة لقراءة هذا المؤلف من مجموع حصص اللغة العربية، وإذا ما نحن استثنينا منها أيام العطل والإضرابات وجدنا أنفسنا حيارى في الطريقة والكيفية التي بإمكاننا كأساتذة أن ندرس بها هذا المؤلف، وتزداد الحيرة وتتعقد المأمورية حينما تفاجئنا شريحة كبرى من التلاميذ بعدم قراءته أو قراءة جزء منه فقط ولربما أحيانا الاكتفاء فقط بالتلاخيص وما تجود به شبكة الأنترنت.
ولما كان الأمر على هذا المنوال وجدت نفسي مكرها لا بطلا على تبسيط هذا المؤلف في هذه القراءة السطحية العابرة والتي ستركز بالأساس على ما يتضمنه المؤلف من أفكار نقدية تكون أرضية للمناقشة داخل الفصل بحول الله،وهي قراءة سطحية سنجمع فيها إنشاء الله كل ما اختمر من أفكار حول هذا المؤلف انطلاقا من قراءة شخصية أغناها التواصل المفتوح مع الأساتذة جزاهم الله خيرا و ما جاد به التلاميذ من آراء وأفكار طيلة سنة بأكملها.
وقبل البدء اعلم عزيزي(تي) التلميذ(ة) أن هذه القراءة المتواضعة لا يمكن أن تفيدك ولن تفيدك في شيء إذا ما أنت تجاهلت هذا المؤلف وعزفت عن قراءته، فهذه القراءة لن تغنيك عن المؤلف بل ستبسطه لك وتمهد لك الطريق لفهمه وتغنيك عن كتابة الملخص داخل الفصل حتى تكون عملية تدريسنا له سريعة من جهة و نستطيع توفير حيز زمني للمناقشة معكم من جهة أخرى.
- القراءة التوجيهية i
1- التعريف بالناقد
ولد أحمد المعداوي سنة 1936م بالدار البيضاء، وتلقى دراسته الابتدائية والثانوية بين الدار البيضاء والرباط،. وحصل على الإجازة في الأدب العربي من جامعة دمشق، كما نال دبلوم الدراسات العليا من جامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1971م تحت إشراف الدكتور أمجد الطرابلسي، وكان موضوع الرسالة هو: “حركة الشعر الحديث بين النكبة والنكسة (1947-1967م)”، كما حضّر دكتوراه الدولة حول أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث، ونوقشت الأطروحة كذلك بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط.وقد مارس أحمد المعداوي الملقب بأحمد المجاطي كتابة الشعر والنقد، كما امتهن التدريس بجامعة محمد بن عبد الله بفاس منذ 1964م ، وبعد ذلك انتقل للتدريس بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط،، وكان من المؤسسين الأوائل لحركة الحداثة في الشعر بالمغرب، وقد فاز بجائزة ابن زيدون للشعر التي يمنحها المعهد الإسباني/ العربي للثقافة بمدريد لأحسن ديوان بالعربية والإسبانية لعام 1985م على ديوانه الشعري “الفروسية” 3. كما فاز بجائزة المغرب الكبرى للشعر سنة 1987م، وانتخب رئيسا لشعبة اللغة العربية بكلية الآداب بالرباط منذ 1991م، وكان عضوا بارزا في تحرير مجلة” أقلام” المغربية التي كان يترأسها كل من عبد الرحمن بن عمرو وأحمد السطاتي ومحمد إبراهيم بوعلو، ومثل المغرب في مهرجانات عربية عدة. و توفي أحمد المجاطي سنة 1995م بعد سنوات زاهرة بالعطاء التربوي والبيداغوجي ،ومزدانة بالعمل والاجتهاد والإبداع والكتابة والنقد.
2- قراءة في عنوان المؤلف
من النصوص الموازية التي ازداد الاهتمام بها في نظرية التلقي، نص العنوان لما له من قيمة في توجيه التلقي وجهة التلقي السليمة، فيكفي أحيانا أن تقرأ عنوان الكتاب لتحدد جنسه وموضوعه، فعنوان هذا المؤلف على سبيل المثال "ظاهرة الشعر الحديث" يؤشر على أن هذا الكتاب يندرج ضمن المؤلفات النقدية التي تعالج موضوع الشعر الحديث، كظاهرة أدبية بارزة وجديرة بالدراسة والتحليل، ووصف الشعر الحديث هنا بالظاهرة، يكشف عن موقف صاحب الكتاب من الموضوع، لأن وصف الشيء بالظاهرة اعتراف بعظمته وشموخه وبروزه، فعندما نقول فلان ظاهرة رياضية، يعني ذلك أنه موهبة زمانه في المجال الرياضي، هذا من جهة ومن جهة أخرى فالعنوان مضلل لمن اعتاد أن يستعمل مصطلح الشعر كمقابل للشعر الذي ظهر بعد القرن 19، لأن الناقد يقصد به هنا الشعر المعاصر أو شعر الحداثة الذي جاء بعد النكبة التي وافقت سنة 1948.
3- العلاقة بين ظاهرة الشعر الحديث وأزمة الحداثة في سطور
مؤلف ظاهرة الشعر الحديث قبل أن يكون مؤلفا نقديا كان في الأصل بحثا تقدم به صاحبه لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، وفيه تناول الناقد بالدرس والتحليل حركتين تجديديتين ظهرتا في القرن العشرين وشكلتا جوهر الشعر الحديث، الحركة الأولى هي حركة الإبداع الرومنسي التي يمتلها شعراء الديوان والرابطة القلمية و أبولو، وهي حركة في نظر الناقد انتهت نهاية محزنة على صعيدي المضمون والشكل لأن المضامين غلب عليها البكاء والشكوى والتفجع، والشكل لم يستطع الصمود أمام ضربات النقد المحافظ، أما الحركة الثانية فهي حركة الحداثة التي استطاعت أن تهدم الشكل الشعري القديم وتقيم على أنقاضه صرحا شعريا جديدا، إنه مؤلف وليد انبهار إلى حد الهوس بموجة الحداثة التي اكتسحت الساحة الأدبية في المغرب، وهو انبهار دفع الناقد إلى تمجيد شعر الحداثة شكلا ومضمونا على حساب الشعر الذي جاء به شعراء التيار الذاتي يقول مؤكدا صحة هذا الكلام في مقدمة كتاب أزمة الحداثة "ولكننا معشر النقاد أنصار هذه الحركة والمنبهرين بها إلى حدود التماهي والاستلاب قد اعتبرنا ذلك ذلك النصر نصرا شعريا خالصا إلى درجة أن علاقتنا به ألغت كل علاقة بما عداها من الحركات الشعرية" ص5. أمــا مؤلف أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث الذي يعود أصله
إلى الأطروحة التي تقدم بها المجاطي لنيل هادة الدكتراه، عشرين سنة بعد صدور المؤلف الأول فيمكن القول بأنه قراءة جديدة للشعر المعاصر بعيون جديدة وبذهنية جديدة حالية من الأحكام المسبقة الجاهزة، يقول الناقد " بعد ذلك قررت أن أعود إلى ذلك المثن وما سيكتب بعده من شعر لأقرأه بعيون جديدة، وكان لا بد أن أخلي ذهني من كل القناعات التي ترسبت فيه حول موضوع الحداثة الشعرية لأبدأ من نقطة الصفر" أزمة الحداثة صفحة 6.
إنه كتاب جاء ليجيب على ثلاثة أسئلة وهي على التوالي:
* ماذا أضاف الشاعر العربي المعاصر إلى ايقاع القصيدة العربية؟ وهو سؤال نجد الإجابة عنه في قول الناقد" هي بنية إيقاعية تعاني من أزمة ذاتية بسبب ما أثبتناه من أنها لم تأتي بجديد" أزمة الحداثة ص11
*ماذا أضاف إلى تركيبها اللغوي؟ بخصوص هذا السؤال يعتقد الناقد المجاطي بأن ثمة فرقا شاسعا بين اللغة كما تقدمه تنظيرات الحداثة وبين اللغة كما يقدمها المثن الشعري، بمعنى أن المثن الشعري لم يستطع أن يفجر الأشكال الشعرية التي وعد الشاعر بتفجيرها، وبقيت اللغة محكومة بما كانت محكومة به من قواعد البلاغة والصرف والتركيب.
* ما هي رسالة شعر الحداثة المتميزة إلى جمهوره؟ بخصوص هذا السؤال يؤمن المجاطي بأن الشعر المعاصر يعاني من أزمة رسالة، سواء في تجربة الغربة والضياع، التي يقول عنها" إنها تجربة تفتقر إلى الصدق وإلى الأصالة بحكم عدم صدورها عن وجدان الشاعر بل عن انبهار متسرع بفكر وأدب أجنبيين" ص16، أو حتى في تجربة الموت والحياة، التي فشلت في تحقيق مشروعها المتمثل في إعادة إحساسنا بالموت إلى إحساس بالحياة ، والسبب في اعتقاد الناقد هو توظيف أساطير مستمدة من تراث أجنبي لا علاقة له بالثقافة العربية الإسلامية يقول: " فهل استطاع الشاعر العربي الحديث عن طريق توظيف أسطورة الموت والحياة أن يرتفع بشعره إلى مستوى موت الحضارة العربية وبعثها ؟ والجواب لا، لعدة عوامل أولها أن هذه الأساطير مستمدة من تراث أجنبي لا علاقة له بالثقافة العربية الاسلامية التي شكلت وجداننا وذوقنا..." ص 16
وعموما يمكن القول بأن بين المؤلف الأول والثاني تناقضا كبيرا، لأن المؤلف الأول كشف لعظمة رسالة شعر الحداثة على صعيدي الشكل والمضمون ، بينما المؤلف الثاني جاء ليكشف هشاشة هذا الشعر سواء على مستوى الايقاع أو اللغة أؤ الرسالة الشعرية.
-القراءة التحليلية ii
تمهيد:
مؤلف "ظاهرة الشعر الحديث" ، مؤلف نقدي يتناول فيه صاحبه حركتين تجديديتين في الشعر العربي الحديث،الأولى واجهت القصيدة العربية وهي تتمتع بالقوة والتماسك فكان التجديد عندها نسبيا تدريجيا والثانية واجهت القصيدة العربية بعد أن زالت عنها صفة القداسة وفقدت بعضا من تماسكها الداخلي، ولكن بتحيز أكبر إلى الحركة التجديدية الثانية التي تزامنت مع نكبة فلسطين 1948،فالناقد خصص الفصل الأول المعنون ب" التطور الدريجي في الشعر الحديث" لدراسة الحركة التجديدية الأولى والتي تمتلها أشعار كل من جماعة الديوان والرابطة القلمية وجماعة أبولو بينما خصص الفصول التلاثة المتبقية لدراسة أشعار الحركة التجديدية الثانية ، وهو توزيع يظهر من خلاله أن الناقد اعتبر الحركة التجديدية الأولى كمدخل لدراسة الحركة التجديدية الثانية ، ليلفت انتباهنا إلى أن الشعر الجدير بالدراسة هو شعر ما بعد النكبة، الذي أطلق عليه مصطلح الشعر الحديث .والذي كان ظاهرة لم يسبق للشعر ان عرف مثلها.
الفصل الاول: التطور التدريجي في الشعر الحديث:
*الشعر العربي بين التطور والتطور التدريجي:
نبه الناقد في مستهل هذا الفصل إلى أن الشعر العربي عموما لم يتطور إذا ما قورن " بالحقب الطويلة والأحداث الجسيمة التي تعاقبت على الأمة العربية" ص7 وسبب هذا السكون في نظره هو غياب شروط التطور فالتطور " مرهون بتوفر جملة من الشروط يهمنا منها شرطان إثنان أحدهما ان يسبق ذلك التطور باحتكاك فكري مع الثقافات والآداب الأجنبية والآخر أن يتوفر للشعراء قدر مناسب من الحرية يتيح لهم أن يعبروا عن تجاربهم"ص6
ومن هذا المنظور يمكن القول بان غياب الحرية حسب الناقد هو السبب الذي كان وراء تأخر التجديد في الشعر العربي القديم بالخصوص، ومرد ذلك هو أن النقد العربي الذي ولد بين أحضان علماء اللغة كان يقدس الشعر الجاهلي لأن لغته لغة استشهاد لم يلحقها اللحن،لذلك لا غرابة أن نرى محاولات المتنبي وأبي تمام وأبي نواس تتأثربهذا النمط من النقد الذي لا يؤمن سوى بصرامة عمود الشعر. أما الشعر الحديث فيعتقد الناقد بإمكانية تقسيمه إلى حركتين، حركة كان التجديد عندها تدريجيا كما رأينا وهي حركة الإبداع الرومانسي لأن شعراءهم لم تتح لهم الحرية الكافية لممارسة التجديد في ظل نقد محافظ يمجد القديم يتزعمه طه حسين، وحركة كان التجديد عندها عنيفا لأنها تزامنت مع نكبة فلسطين وهو الامتياز الذي أتاح " للشاعر الحديث أن يمارس حريته بكيفية وبقدر لم يتح مثلهما لغيره من الشعراء المجددين"ص7، وهاهنا نطرح سؤالا للمناقشة: هل الحرية مطلب يعطى للشاعر ؟ أم حق ينتزع؟ يحتاج إلى شخصية الشاعر وجرأته.
القسم الأول من الفصل الأول: نحو موضوع ذاتي :
في الوقت الذي بدأت شخصية الإنسان العربي تشعر بانهيار تام، وفي الوقت الذي تعالت فيه الفلسفات المنادية بحرية الإنسان ظهر الشعر الرومانسي بتجمعاته الثلاثة ( الديــــــــــــوان، الرابطة القلمية، وأبولو) ليقود المضامين الشعرية من التغني بالجماعة إلى التغني بالوجدان الذاتي، فكيف تمظهر هذا الموضوع في شعر كل جماعة؟ وما موقف المجاطي من طريقة تناول كل جماعة لهذا الموضوع الوجداني؟
مدرسة الديــــــوان:
لا تذكر جماعة الديوان إلا ويذكر معها العقاد وشكري والمازني ،ولا تذكر كذلك إلا ويذكر معها موضوع الوجدان الذاتي الذي يعتبر أعظم جديد هذه المدرسة، فقد "إلتقى هؤلاء الشعراء عند فكرة هي أن الشعر وجدان غير أن مفهوم الوجدان عندهم كان متباينا فقد أراده العقاد مزاجا من الشعور والفكر... حتى قيل بأن العقاد مفكر قبل أن يكون شاعرا، أما شكري فقد فهم الوجدان على أنه التأمل في أعماق الذات لأن المعاني عنده جزء من النفس لا يدرك بالعقل وإنما يدرك بعين الباطن أي بالقلب" ص....أما المازني فالوجدان عنده كل ما تفيض به النفس من شعور وعواطف وإحساسات ، إنه شاعر يحب أن يتعامل مع الأشياء تعاملا أساسه الإنفعال المباشر.
أما رأي المجاطي في طريقة تعامل شعراء هذه المدرسة مع موضوع الوجدان، فيمكن تلخيصه في قوله" أثر الوجدان في شعر هذه الجماعة كان أثرا سلبيا يؤثر هدوء الحزن وظلمة التشاؤم على ابتسامة الأمل واستشراف النصر فحفر بذلك أول قناة مظلمة في طريق الاتجاه الرومانسي" ص 18
الرابـــــــــــطة القلمية:
تغنى شعراء الرابطة القلمية بدورهم بالوجدان، لكنهم أرادوا أن يوسعوه ليشمل الحياة والكون والذات الإلهية،فالتأمل في الذات في نظرهم لا يجعلك حبيس ذاتك فقط بل يجعلك تنفتح على عالمك الخارجي بكل تفاصيله وجزئياته ، بمعنى أن التأمل في الذات يساوي ضرورة فهم الحياة والكون والذات الإلهية، وهذا ما نفهمه من خلال هذه الأقوال:
إذا أغمضت عينيك ونظرت في أعماق أعماقك رأيت العالم بكلياته وجزئياته. -
الحياة تنبثق من داخل الإنسان. -
- كل ما في الوجود كائن في باطنك.
إن أنا ينبوع تتدفق منه الأشياء كلها وإليه تعود. -
على هذا النحو أراد شعراء الرابطة القلمية أن يفهموا الوجدان فهو النفس والحياة والكون، فهل كانوا كذلك في أشعارهم؟
لقد أكد المجاطي أن الوجدان الذي تغنى به شعراء الرابطة القلمية كمشروع لم يتحقق في أشعارهم وإبداعاتهم ، لأننا سنجد مكانه هروبا من الناس ومن الواقع فقد هرب جبران بأحلامه إلى الغاب( هل اتخذت الغاب مثلي منزلا دون القصور)، وتبعه في ذلك كل شعراء الرابطة ،والتجأ إليا أبو ماضي إلى الخيال،( نحن أهل الخيال أسعد خلق الله حتى في حالة الحرمان )، يقول متهكما" ألم تشتمل الذات والحياة والكون جميعا على شيء سوى الهروب والاستسلام والخنوع؟وهل يتعذر على المرء أن يرتفع إلى أفق الرب دون أن ينكر قيمة السير مع الجماعة؟" ص25.
ليست هناك تعليقات