مقدمة
خضعت باقي بلدان المغرب العربي لاستغلال استعماري واجهته مقاومة اختلفت بحسب الظروف الدولية والمحلية، وقد تحولت من المطالبة بالإصلاحات إلى المطالبة بالاستقلال.
الحركة الوطنية في تونس:
1/-عززت فرنسا استغلالها الاستعماري لتونس:
شكلت معاهدة" باردو" 12/05/1881 بداية للإستغلال الاستعماري الفرنسي، إذ أقدمت على إحداث إدارة فرنسية على رأسها المقيم العام إلى جانب الإدارة التقليدية التونسية التي أصبحت مسخرة لخدمة الإدارة الاستعمارية.في نفس الإطار إتخدت إصلاحات في الميدان القضائي و التربوي والخدمات والبنيات التحتية تمهيدا لاستغلال الثروات المادية والبشرية لتونس،إذ ثم تشجيع الاستيطان الفلاحي الخاص عن طريق إصدار عدد من المراسيم التي سهلت مهمة إستيلاء المعمرين والشركات على أراضي الأهالي وثم تشجيع هجرة الأوروبيين لتونس ومنحهم الجنسية الفرنسية وكل التسهيلات للسيطرة على أراضي الفلاحين المحليين الذين عانوا من ثقل الضرائب وأشكال السخرة والقهر إضافة إلى المجاعات الناتجة عن الظروف المناخية الصعبة ،فاندلعت مقاومة مسلحة من بينها مقاومة ( علي بن عثمان) في الجنوب الغربي .
2/-تطورت الحركة الوطنية من المطالبة بالإصلاح إلى المطالبة بالإستقلال:
•تأسيس حركة "تونس الفتاة" التي تعززت بالتحاق (عبد العزيز الثعالبي)سنة1904الذي دعا الى اصلاح النظام التعليمي في جامعة الزيتونة لصيانة هوية تونس العربية الاسلامية مع انفتاح تلك المؤسسة على العلوم الحديثة .وأسس (الحزب الدستوري) سنة1920 الذي ندد بسياسة سلطات الحماية مما أدى إلى :الإعتقالات/حظر الصحف/التعسف الإداري..
•تأسيس"الحزب الدستوري الجديد"سنة1934 بزعامة (الحبيب بورقيبة )؛قام بتأطير نقابات الفلاحين ونسق مع النقابات الجديدة التي يسمح لها بالعمل، و ابتداء من 1932 شن سلسلة من الاضرابات والمظاهرات ،فأصبح الحزب الدستوري القوة السياسية الأولى في تونس،اتصل زعماؤه بألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية ،وبعدها تعرضوا للمتابعة => ابتعاد الحبيب بورقيبة عن تونس سنة 1945.
•إصدار الميثاق الوطني سنة 1946 من طرف القوى السياسية والنقابية =>تنديد باستغلال نظام الحماية للثرواث التونسية وبخنق الحريات الأساسية والمطالبة بالإستقلال. تحمس الشعب التونسي لمضمون الميثاق مما دفع فرنسا إلى محاولة القيام ببعض الإصلاحات ،لكن الانقسام تسرب إلى صفوف الوطنيين التونسيين بعد شتنبر 1949 وهي السنة التي عاد فيها الحبيب بورقيبة إلى تونس،فقرر مواجهة الاستعمار بالاعتماد على سياسة الحوار والتفاوض لتحقيق الاستقلال وذلك بمنح تونس سيادة ترتبط مع فرنسا بمعاهدة تضمن لفرنسا مصالح استراتيجية واقتصادية وضرورة إحداث دستور ديمقراطي عبر جمعية تأسيسية منتخبة..لكن سياسة الحوار فشلت لتدخل الحركة الوطنية التونسية مرحلة النضال المسلح فردت فرنسا على المد الثوري بالعنف واغتيال الزعيم النقابي ''فرحات حشاد''سنة1952 الذي أثار حماس الوطنيين في تونس وفي كل المغرب العربي --> تعزيزالعمل المغاربي المشترك " لجنة تحرير المغرب العربي " برئاسة محمد بن عبد الكريم الخطابي في القاهرة .وفي سنة 1955 أدت المفاوضات السرية مع بورقيبة إلى إعلان الإستقلال الذاتي لتونس الذي لقي معارضة من جيش التحرير ، وبعد حصول المغرب على إستقلاله ، طالبت تونس المعاملة بالمثل فألغت فرنسا معاهدة باردو وإعترفت بإستقلال تونس 20مارس1956 وأعلن عن قيام الجمهورية التونسية برئاسة الحبيب بو رقيبة 25 يوليوز1957 .
الوضع الخاص بالجزائر ( 1900-1962) :
1/- تعرضت الجزائر لإستغلال خيراتها المادية و البشرية :
حول الإستعمار الفرنسي الجزائر إلى مستعمرة إستيطانية فانتزعت الإدارة الإستعمارية الأراضي الفلاحية من الجزائرييين بطرق مختلفة ووزعتها دون مقابل على الوافدين الفرنسيين شرط الإقامة فيها .إلى جانب هدا الإستيطان الرسمي تطور الإستيطان الخاص بعد سنة 1900 إثر صدور قوانين فرنسية سهلت عملية تفتيت الملكيات الجماعية و إنتقالها إلى الأروبيين حيث بلغت مساحتها 2462537 هكتار سنة 1934 أي 4/1 الأراضي المزروعة بينما لم يكن عددهم يتجاوز %2من مجموع الفلاحين .
ظل القمح المنتوج الأساسي للمستوطنين إلى غاية سنة 1880 حيث بدأت الزراعات التسويقية خاصة الكروم و إحتل الخمر صدارة مداخيل الجزائر --> القضاء على صغار المستوطنين .
إبتداء من 1930 إتخذ الإستيطان الزراعي شكل مؤسسات تجارية أو مالية تسيرها أطر أوربية ، و كان ذلك على حساب المنتوجات المعيشية الضرورية لعيش السكان المحليين . وأدى إنتزاع الأراضي من الفلاح و منعه إستغلال المراعي الغابوية إلى تراجع الإنتاج الزراعي وقطيع الماشية و فرضت عليه ضرائب زادت من تفقيره ،فاضطر إلى العمل في إستغلاليات المستوطنين ، كما بدات الهجرة إلى فرنسا ، ونهجت السلطات الإستعمارية إزاء الجزائريين سياسات تأرجحت بين محاولات إحدات التقارب و التغيير وتحقيق" الإدماج "و" الفرنسة" .إلا ان السياسة القمعية قضت على الزعامات التقليدية وعناصر البورجوازية الحضرية، وكان الاستيطان الحضري كبيرا بحكم الوظائف الادارية والاقتصادية التي جدبت اهتمام الفرنسيين والاجانب من مختلف الجنسيات فانتقل عدد الاوربيين من109.000سنة 1847 إلى 829.000 سنة 1929 خاصة بعد تجنيس اليهود الجزائريين وعدد من الاوربيين إثر صدور قانون التجنيس المباشر سنة 1889 وتزايد عدد السكان الحضريين من الجزائريين فاصبحوا يمثلون%18,9سنة 1956 بينما كانوا يمثلون %6 7, فقط، لكن تسارع نسبة التمدين لم تكن مؤشرا عن حدوث تطور إجتماعي أو وقوع إندماج في التجمعات السكنية الأوربية كما ظل التعليم نخبويا .
2/- شهدت الحركة الوطنية الجزائرية عدة تطورات:
طالبت الحركة الوطنية الجزائرية في البداية بالإصلاحات ك " كثلة المنتخبين المسلمين الجزائريين " بزعامة( الأمير خالد)، وتطورت فكرة إدماج الجزائر في فرنسا على يد( محمد بن جلول) و( فرحات عباس).
وعملت حركة " جمعية العلماء المسلمين " على يد (الشيخ عبد الحميد بن باديس )من أجل الحفاظ على القومية الجزائرية و الأصالة العربية الإسلامية .
تجند الإشتراكيون الجزائريون للمطالبة بالإستقلال و بتغيير النظام الإجتماعي القائم فتأسست في أوساط العمال المهاجرين بباريس "جمعية نجم شمال إفريقيا " برئاسة( مصالي الحاج) سنة 1926 .
عند اندلاع الحرب العالمية الثانية نضجت الحركة الوطنية الجزائرية، فقدم مجموعة من النواب الجزائريين إلى سلطات الحماية بالجزائر في فبراير1943 "بيان الشعب الجزائري" .وفي مارس 1944 أصدرت" اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني" برئاسة الجينرال( دوغول) قانون يمنح بعض الجزائريين حق المواطنة الفرنسية ، إلا أن سياسة الإدماج واجهت معارضة التيارات الوطنية الموجودة بالجزائر ،فحدثت اصطدامات عنيفة في ماي 1945 واجهتها فرنسا بقمع شديد وأصدرت الاحكام العرفية واعتقلت الزعماء الوطنيين وأعدمت بعضهم .
عززت هذه الأحداث فكرة عدم جدوى العمل السلمي والسياسي لتحقيق الاستقلال فعاودت الاحزاب نشاطها فأسس فرحات عباس "حزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري" الذي تخلى عن فكرة "الإندماج" وطالب بالاستقلال ، واستأنف "حزب الشعب الجزائري"المحضور نشاطه باسم"حركة انتصار الحريات الديمقراطية" برئاسة مصالي الحاج سنة 1946،إلا أن الحكومة الفرنسية رفضت محاورة الوطنيين الجزائريين وأصدرت" القانون العام للجزائر" سنة 1947الذي أعاد تسيير الجزائر إلى الحكومة الفرنسية مما أضطر الحركة الوطنية الجزائرية إلى اللجوء للعمل المسلح بقيادة "جبهة التحرير الوطني" التي أعلنت الثورة الجزائرية في نونبر 1954 لتصفية الاستعمار،وبعد مواجهات عنيفة مع الفرنسيين ذهب ضحيتها أزيد من مليون جزائري ،وأمام إعتراف الدول الاشتراكية كالصين والاتحاد السوفيتي بالحكومة الجزائرية المؤقتة سنة 1961 اضطرت فرنسا إلى الدخول في مفاوضات في 19 مارس 1962 في( إفيان)EVIAN انتهت بتوقيع اتفاقية لوقف إطلاق النار وإعلان المبادىء المتعلقة بتقرير مصير الجزائر ، وفي 3 يوليوز1962 اعترفت فرنسا باستقلال الجزائر فكانت نهاية الاسنعمار الفرنسي في بلدان المغرب العربي.
ليبيا في مواجهة الاحتلال الإيطالي :
1/-تزعمت الحركة السنوسية وعمر المختار المقاومة ضد الاحتلال الإيطالي :
تعرضت الأراضي الليبية ما بين 1911-1912 لبداية الإحتلال الإطالي فواجهته مقاومة في منطقة طرابلس و برقة :
•في برقة ظهرت "الحركة السنوسية" بزعامة( محمد إدريس السنوسي) التي قاومت الأتراك في القرن 19 ثم عارضت الهيمنة الإيطالية على ليبيا ، و خلال الحرب العالمية الأولى عملت إيطاليا على مصالحة الوطنيين فتم توقيع معاهدة'' عكرمة'' سنة 1917 مما سمح بفتح ميناء (السلوم) لفائدة السنوسيين .
•في طرابلس أعلن الوطنيو ن اللبيون ( الجمهورية ) في نونبر 1918 و تزعم الثورة (رمضان السويحلي) و( سليمان الباروتي ) فمنحتها إيطاليا الإستقلال الداخلي و حرية إختيار النظام السياسي في إقليم طرابلس بما فيه منطقة فزان ، فانحصر نفوذ إطاليا في الساحل الشمالي ، و بويع إدريس السنوسي أميرا على البلاد سنة 1920 . أمام هذه التطورات أعلنت إيطاليا الحرب على الليبيين في برقة و طرابلس وإجتاحت منطقة فـزان ، ولجأ إدريس السنوسي إلى القاهرة سنة 1922 في الوقت الذي قرر" موسوليني" إحتلال ليبيا لذلك تجند الليبيون للدفاع عن بلادهم بقيادة( عمـر المختار) الذي واجه الإيطاليين بين 1923-1931 . وتمكن الجنرال'' كَرازياني'' بعد جهد كبير من أسره و إعدامه شنقا سنة 1931 وبذلك إنتهت مرحلة المقاومة المسلحة الليبية ، مما مكن موسوليني من متابعة سياسته الإستيطانية في المناطق الخصبة ، و حالت الحرب العالمية الثانية دون تنفيذ مشاريع اخرى .
2/- ساعدت هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية على استقلال ليبيا :
ساهم ادريس السنوسي انطلاقا من القاهرة في المجهو د الحربي بجيش من الليبيين المنفيين الى جانب الحلفاء ،واحتلت فرنسا وبريطانيا مجموع التراب الليبي في يناير1948 وكادت ليبيا أن تتعرض بعد الحرب الى التقسيم بين ايطاليا وفرنسا وبريطانيا الا ان الامم المتحدة قررت منح ليبيا سيادتها الكاملة .فأعلن الملك ادريس السنوسي استقلال ليبيا في 24 دجنبر 1951 ثم التحقت ليبيا بجامعة الدول العربية سنة 1953 وأصبحت عضوا في الامم المتحدة سنة 1955 .واجهت ليبيا بعد الاستقلال صعوبات اقتصادية ،الا أن اكتشاف البترول مكنها من وسائل الرخاء الاقتصادي.و في فاتح شتمبر سنة 1969 قامت ثورة بقيادة (معمر القدافي).
ليست هناك تعليقات